نشرت بواسطة :فراس اللو
حظيت شركة آبل في الأسابيع الأخيرة على اهتمام عالي من وسائل الإعلام العالمية والعربية، ففي الـ 21 من شهر مارس/آذار عقدت آبل مؤتمرها الذي كشفت فيه عن هاتف آيفون أس إي iPhone SE، إلى جانب حاسب آيباد برو اللوحي بشاشة أصغر، وأخيرًا إطلاق الإصدار 9.3 من نظام آي أو أس.
لكن وقبل انعقاد المؤتمر بساعات قليلة، عكّرت بعض الأخبار أجواء شركة آبل ومُتابعيها، حيث تمكّن بعض المُخترقين من فك تشفير الرسائل المُتبادلة عبر خدمة آي مسج iMessage الخاصّة بأجهزة شركة آبل، دون نسيان الدعاوي القضائية المرفوعة ضدها من قبل وكالة FBI، أي مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي كثيرًا ما نسمع عنه في أفلام هوليود.
كانت شركة آبل على علم بوجود ثغرة آي مسج، ووعدت بحلّها بأسرع وقت مُمكن، لكن مشاكلها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الّتي تعود إلى مُنتصف شهر فبراير/شباط من العام الجاري، انتهت رسميًا ليلة الأمس، 28 مارس/آذار، حيث تمكّن المكتّب من فك تشفير هاتف آيفون.
قضية آبل مع FBI شائكة، فالمكتب طلب من آبل توفير أبواب خلفية في أنظمة تشغيلها تسمح للهيئات الحكومية باستغلالها عند الحاجة فقط، خصوصاً عندما يكون هناك تهديد أمني أو إرهابي على الولايات المُتحدة الأمريكية، وهو ما رفضته آبل جُملةً وتفصيلا.
ومع بداية الأسبوع الجاري ربحت آبل قضيّتها الأولى ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث حكمت المحكمة بعدم حاجة آبل لبناء أبواب خلفية في أنظمة تشغيلها، لكن نشوة الانتصار لم تستمرّ سوى ساعات قليلة قبل أن يُعلن مكتب الـ FBI عن سحب جميع القضايا المرفوعة ضد آبل، مُعلِّلاً ذلك بأنه استطاع بمُساعدة طرف آخر أن يفكّ تشفير هاتف آيفون الخاصّ بأحد المُتّهمين في الهجمات الإرهابية في الولايات المُتحدة الأمريكية التي حدثت في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2015 المُنقضي.
الجدير بالذكر هُنا أنّ الهاتف الذي رُفعت القضايا من أجله هو آيفون 5C، وبالتالي فقد مرّ عامان ونصف تقريبًا على إطلاقه، وهو ما يعني أنّ الدارات الإلكترونية المُستخدمة فيه صارت قديمة مُقارنةً بالدارات الحديثة الموجودة في هواتف آيفون.
هذا لا يُخفي أبدًا حقيقة أنّ نظام آي أو أس iOS بشكل عام، وهواتف آيفون بشكل خاصّ لا تحمي بيانات المُستخدمين بشكل كامل، لكن آبل كانت كبش الفداء لأنّ القضية وقعت على أحد أجهزتها، وهو ما أدى إلى تسليط الضوء عليها فقط دون غيرها.
لا أقف أبدًا في صفّ الشركة، لكن حماية البيانات والخصوصية عند وجود اتصال بالإنترنت هو شيء من نسج الخيال، ولا يوجد نظام في العالم – باستثناء بعض توزيعات لينكس – قادر على حماية البيانات والوقوف ضد هجمات الاختراق أيّاً كانت.
لو تعرّضت أنظمة أندرويد أو ويندوز موبايل لنفس الاختبار ونفس الحالة لتمكّن المكتب أيضًا من فك تشفير بياناتها هي الأُخرى دون متاعب، لكن أيّاً كان نظام التشغيل فإنّ عُملاء الـ FBI كلّفهم الأمر شهر ونصف تقريبًا لإنجازه، وهي مدّة ليست بالقصيرة، وأنا على ثقّة أنّ جميع المُخترقين حاولوا بشكل أو بآخر اختراق حماية نظام آي أو أس من أجل تقديم الطريقة للـ FBI بُغية التقرّب منها، أو الحصول على مردود مادّيّ.
من وجهة نظر شخصية بحتة لا تعتمد على أيّ شيء تقني أعتقد أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتمكّن من فك تشفير كامل البيانات، وما قام به هو ردّ فعل فقط جرّاء أمر المحكمة الذي قضى بعدم حاجة آبل للانصياع إلى أوامر المكتب وبناء أبواب خلفية، في مُحاولة منهم لحفظ ماء الوجه على الأقل، لأنّ ما طلبوه من آبل أوما قد يطلبوه من غيرها ليس منطقيّاً أبدًا.
ومع إهمال التحليلات وصحّة الأخبار الصادرة، فإنّ ما حدث يوم الأمس كفيلٌ برفع مُستوى حماية أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية والحواسب، فجميع الشركات سوف ترى فيما حدث درسًا مجّانيًا لتفادي هذا النوع من الدّعاية السّيِّئة التي يُمكن أنْ تحصل لأحد مُنتجاتها في حالة وجود قضايا مُماثلة، وهو ما يصبّ في النهاية في صالح المُستخدم أوّلاً وأخيراً.
باختصار، لا يوجد شيء اسمه أمان وحماية على الإنترنت، فكما قال الأخ سعود الهواوي – مُؤسس موقع عالم التقنية، على حسابه في تويتر، إنّ أفضل طريقة للحصول على حماية كاملة وخصوصية ١٠٠٪ على البيانات يكمن في استخدام الجهاز دون الاتصال بالإنترنت.
أما فيما يتعلق بوقوع جهازي أو جهازك في أيدي أحد الجهات الأمنية أو المُخترقين، فإن صور ” أسعد الله صباحكم” و”جمعة مُباركة” ومحادثات واطْسْآب مثل ” أرسل هذه الرسالة لعشرة أشخاص وستسعد اليوم” فإنها ليست بالمعلومات القيّمة التي ستسعى الجهات الأمنية إلى فكّ تشفيرها أوالاطّلاع عليها.
أحدث التعليقات