سؤال: في سورة يس اية ((وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ))، ما اسم هذة القرية؟
وآية أخرى: ((وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ))، ما اسم هذا الرجل الصالح؟،، وشكرا
==================================================================
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد،
١. قصّة هاذه القرية وأصحابها كسائر قصص القرآن الكريم لم يُحدِّدْ الله تعالى الَّذِي أنزله على محمد صَلَّى الله عليه وعلى آله وَسَلَّم اسْمَها، ولا وصْفَها، ولا أسماءَ الَّذِين أتى ذكرهم بها ولا تواريخ وأماكنَ ولادتهم أو وفاتهم.
أغفل القرآن ذالك كلّه تماماً ليمضي إلى تحديد صميمِ العبرة ولُبِّها وهو التّكذيب الفوريّ من قِبَل جمهور النَّاس وحكّامهم عَبْر العصور دون أدنى تفكير أو إمعان نظر في موضوع الرّسالة الّتي تأتيهم من الله، تعالى ذِكْرُه، وبالتّالي إقدامهم على إيقاع شتّى أنواع الأذى بالمُرسَلين كنتيحة العناد والمكابرة وعدم إعمال العقل والفكر والإدراك.
كما أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وعلى آله وَسَلَّم لم يـُسْأل عنها من قِبَل أصحابه الغُرّ الميامين، لأنّهم كانوا يَعونَ تماماً أنّ قصص القرآن إنَّما تتكرّر لتثبيت رسول الهدى وأصحابه على صفاء التّوحيد، وعلى صِدق الإيمان، وعلى الصَّبر على الأذى بكافّة أشكاله نتيجةً لهاذا الثّبات؛ فلم تكن تهمُّهم لا أسماء الأشخاص ولا الأماكن ولا التّواريخ!
٢. عندما انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربيّة ودخلتْ فيه أقوامٌ من دياناتٍ شتّى بدأت عقولُ هاؤلاء الدّاخلين فيه ونفوسُهم تميل إلى الفضول، وبالتّالي الاستقصاء عن الكثير ممّا ورد في قصص القرآن. فصاروا يسألون عن أشياء عديدة وردت في نصوص الوحي. فإذا قرأوا سورة الكهف سألوا: أين كان موقع هاذا الكهف؟ وما هو اسم كلب الفِتْية الَّذِين آمنوا بربّهم؟ وما لونه؟
وإذا قرأوا قوله تعالى: ” فوجدا عبَداً من عبادنا آتَيْنَاه رحمةً مِن عندنا وعلّمْناه مِن لَدُنّا علماً“، تساءلوا: مَنْ هاذا العبد الصَّالِح الَّذِي لَقِيَه موسى عليه السّلام وطلب منه أنْ يُعَلِّمَه؟ وَمَنْ هو الغلام الَّذِي قتله العبد الصَّالِح؟ وفي أيّ بحر كانت تُبْحر السَّفِينَة الّتي خرقها؟ ومَن هي القرية الّتي لم تُضَيِّفْهُ؟ وأين كان يعيش شُعيب عليه السّلام؟ وهل هو فعلاً والدُ البِنتيْن الّلتيْن سقى لهما موسى عليه السّلام؟ وأين تمّ صنع السَّفِينَة على يد نوح عليه السّلام؟ وفي أيّ مكانٍ استقرّت بعد انحسار فيضان الماء ؟
وإذا قرأوا قوله تعالى في سورة البقرة: “فقلنا اضربوه بِبَعضِها” تساءلوا ما هاذا البعض الَّذِي ضربوا به؟
وهاكذا في بقيّة القصص.
كان المصدر الوحيد للإجابة عن هاذه الأسئلة وأمثالها هو توراةُ موسى عليه السّلام بالدّرجة الأولى، وإنجيلُ عيسى عليه السّلام بالدّرجة الثّانية.
٣. كان مِنْ بين مَنْ دخل في الإسلام عددٌ مِن العلماء في التَّوْرَاة والإنجيل من اليهود والنّصارى. وكان اليهود منهم أكثرَ مَنْ دخلوا غير صادقين، لأنّ اليهود أكثرُ حقداً على وبغضاً للإسلام والمسلمين من النَّصَارَى.
وفي المُحَصِّلة النهائيّة تسرّبَ مِنْ هاؤلاء العلماء الكثير من الأخبار الإسرائيليّة، ودخلت أقوالُهم في جميع التّفاسير الموجودة بين أيدي المسلمين حتّى يومنا هاذا، إبتداءً مِنْ تفسير شيخ المفسِّرين على الإطلاق أبي جعفر محمد بن جرير الطّبريّ المّتوفِى عام 310 هج أو 923 م رحمه الله، المسمّى: ” جامع البيان في تأويل القرآن”.
٤. كان مِنْ أهمّ مَنْ دخل في الإسلام من علماء اليهود ثلاثة رجال:
أ. . كعب الأحبار (أبو إسحاق) المُتوفّى سنة 32 هج أو 652 م، وهو ينحدر من يهود اليمن، وكان معاوية قد قرّبه منه أثناء ولايته.
ب . . عبد الله بن سلام المُتوفّى سنة 43 هج أو 663 م، وهو الَّذِي اعتنق الإسلام في حياة رسول الله صَلَّى الله عليه وعلى آله وَسَلَّم .
ج . .وهْب بن مُنَبِّه المُتوفّى سنة 114 هج أو 732 م. وقد ولد ومات في صنعاء.
٥. ورد في كتب التّفسير نقلاً عن وهْب بن مُنَبّه أنّ القرية الوارد ذكرها في سورة ياسين هي “أنطاكية”. وهي الآن مدينة تقع قريباً من مَصَبّ نهر العاصي في الشّمال الغربي من بلاد الشّام، وكان المستعمرون الفرنسيّون قد سلخوها عن بلاد الشّام وضمّوها إلى الجمهوريّة التّركيّة الّتي أقامها مصطفى كمال على أنقاض الدّولة العثمانيّة. وكانت مدينةً كبرى في العالم القديم حين جعلها “السّلوقيّون”، وَرَثَة أحد قادة الإسكندر الأكبر عاصمةً لهم عام 300 قبل الميلاد.
٦. أمّا الرُّسُل الثّلاث فقد رُوِي عن وهب بن مُنَبّه أنّهم ثلاثة رُسُل بعثهم الله تعالى إلى حاكم أنطاكية الطّاغية المدعو: “أبطيحِس”، وأنّ أسماءهم هي: صادق، ومصدوق، وشلوم.
أمّا الرّواية الأخرى الّتي قد تكون منقولة عن النَّصَارَى أنّهم رُسُلٌ ثلاثة من الحوارِيّين أرسلهم المسيح عليه السّلام إلى الطِاغية المذكور. والنّصارى يعتبرون المسيح عليه السّلام ربّاً! وبالتّالي فإنّ مَنْ يكلّفُهُم الرّبّ بالتّبليغ يكونون رُسُلا!، تعالى الله عمّا يقولون عُلُوًّا كبيرا.
٧. أمّا الرّجل المؤمن الَّذِي كان يسكن عند إحدى بوّابات أنطاكية القاصية فإنّ الرّوايات الواردة عن كعْب وعن وهْب تقول أنّ اسمه حبيب بن موسى النّجّار أو حبيب بن إسرائيل النّجّار.
٨. أوصيكم أنْ تغفلوا عن هاذه الأسماء كلّها، بل لاحظوا وتعمّقوا فقط في فهم الأفكار الرّاقية والعقائد الثّابتة الّتي تضمّنتها هاذه الآيات العظيمة من سورة ياسين:
أ . . “واضرب لهم مثلاً“، والمعنى قُلْ يا محمد لقومك المُعاندين: لستُ أنا بِدْعاً من الرُّسُل، فإنّه قبل بِعْثتي بزمنٍ قليل قد جاء أصحابَ القرية ثلاثةُ مُرسَلين، وأنذروهم بما أنذرتُكم به، وذكّروهم بتوحيد الله، وخوّفوهم من عذاب الله يوم القيامة، وبشّروهم بنعيم دار الإقامة.
ب . . ثمّ لاحظوا إجابات الكفّار المَعاندين المُسْتكبرين كما وردت في الآيات! إنّها هي نفسها الّتي تتكرّر على ألسنتهم عبر العصور حتّى يومنا:
“قالوا ما أنتم إِلَّا بشَرٌ مثلنا، وما أنزل الرّحمان من شيء إِنْ أنتم إِلَّا تكذبون“.
ج . . ثمّ لاحظوا الثّبات على قول الحقّ بغضّ النَّظر عن النّتائج:
“قالوا ربُّنا يعلمُ إنّا إليكم لَمُرْسَلون“. “وما علينا إِلَّا البلاغُ الْمُبِين“.
د . . ثمّ لاحظوا الإصرار على الكفر والضّلال المتبوع بالتّهديد والوعيد:
“. . .لَئِنْ لم تنتهوا لَنَرْجُمَنّكم، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ منّا عَذَابٌ أليم“.
ه. . ثمّ لاحظوا الإيمان الصَّادق الَّذِي انفرد به مِنْ بين جميع سكّان القرية رجلٌ فقيرٌ منبوذٌ ومُحتقر مِنْ قِبَلِ قومه، وَهو الَّذِي حضر مُسْرِعاً لتأييد دعوة الرُّسُل حين سمع بِنَبأ مَقْدَمهم، فَفَقَدَ حياته فوراً نتيجةً لذالك:
“. . .قال يا قومِ اتُّبعوا المُرْسلين“. اتُّبعوا مَنْ لا يسألُكُم أجراً وهم مُهتدون“. “وما لِيَ لا أعبدُ الَّذِي فَطَرَني وإليهِ تُرْجَعون“.
“أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِه ءآلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرّحمان بضُرٍّ لا تُغنِ عنّي شفاعتُهُم شيئاً ولا يُنْقِِذون“. “إِنِّي إذَاً لفي ضلالٍ مُّبِين“. إنّي آمنتُ بربّكم فاسْمَعون“.
أدعو الله تعالى صادقاً متضرّعاً أن يوفّقنا جميعاً للعودة إلى كتاب الله تعالى نفهمه، ونتدبّره، ونعمل بكلّ ما جاء فيه، ونبلّغه للعالمين كما نزل به جِبْرِيل. آمين.
أحدث التعليقات