أوباما يتصدّى لآفة العنصرية ضد السود في أمريكا ويواجه اليمين المتطرف بشجاعة
JUN 27, 2015
أوباما في تصديه للعنصرية
إذا كنا في منطقة “الشرق الاوسط” نعاني من “الطائفية” واستفحالها، وتفريخها حالة من الكراهية للآخر، وميليشيات مسلحة تمارس القتل والتفجير بأشكاله كافة، فإن الولايات المتحدة الامريكية التي تقود “العالم الحر” بدأت تواجه أزمة مماثلة، ولكن تحت عنوان مختلف وهو تنامي العنصرية البغيضة تجاه الأمريكيين من أصول افريقية.
حوادث العنف العنصري في تصاعد مستمر في السنوات الأخيرة، من قبل البعض ضد السود، ومن اللافت أنّ هذا التصاعد يتزامن مع انتخاب أول رئيس أمريكي لفترتين، وإقدامه على إصلاحات جزئية مثل الضمان الصحي، الذي يقدم الخدمات الضرورية للفقراء والمُعدمين، ونسبة كبيرة منهم من السود، وأدى وقوف نواب عنصريين في مجلس الشيوخ والنواب لعرقلة هذا التأمين وقانونه إلى زيادة النزعة العنصرية، وترجمتها إلى أعمال عنف في أكثر من ولاية أمريكية آخرها مجزرة مدرسة تشارلستون، التي راح ضحيتها أكثر من تسعة من السود، بما في ذلك القسّ، والّتي نفذها شاب أبيض في العشرين من عمره.
الرئيس باراك أوباما توجه بنفسه إلى الكنيسة المجاورة للمدرسة وحضر قُدّاسا على أرواح الضحايا، وألقى كلمة مؤثرة، تحدث فيها بكل صراحة ووضوح عن انعدام المساواة، وتزايد حالة الفقر في بعض الأحياء السوداء في العديد من المدن الأمريكيّة، ووجود قيود على تولّي السود وظائف في القضاء، وغيرها من المؤسسات العامة.
أمريكا لم تتخلص من العبودية، واضطهاد الأمريكيين من أصول أفريقية، إلا في منتصف الستينات من القرن الماضي، بفضل مناضلين شرفاء مثل مارتن لوثر كينغ، ومالكوم أكس، حيث تمخض هذا النضال عن قانون الحريات والمساواة، وإلغاء كل مظاهر التمييز في وسائل المواصلات، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات وغيرها، الآن يحاول اليمين الأمريكي الأبيض العنصري إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولهذا طالب الرئيس أوباما بكسر حاجز الصمت، ومنع حدوث الكارثة وهي في بداياتها.
الرئيس أوباما يدرك جيدا، وهو الذي عانى أبوه وأقاربه من التمييز العنصري، وكانوا يجلسون في المقاعد الخلفية في الحافلات، أن العنصرية إذا ما استفحلت ستؤدي حتما الى انهيار “الحلم الأمريكي” في الحرية والمساواة والاندماج، ومن المؤسف، بل والمؤلم، أنه لا توجد هذه الدرجة من الوعي لدى أيٍّ من قياداتنا تجاه ظاهرة الطائفية المنتشرة هذه الأيام في بلداننا، وتنعكس في حروب مدمرة، بل من المؤسف أكثر، أنّ الكثير من حكامنا وحكوماتنا يؤجّجون هذه الظاهرة، ويصبون الزيت على نارها.
الهوية الوطنية الجامعة تتآكل في معظم الدول العربية لصالح الهوية الطائفية التقسيمية، وأمامنا ثلاثة أمثلة تُجسّد هذا الواقع المؤلم، في كل من سورية والعراق واليمن، وهي دول أصبحت “فاشلة” مُفتّتة، بفعل هذه الآفة الخطرة.
أوباما تحدث عن العنصرية بشجاعة وجرأة، ولم يتردد في قول الحقيقة من منطلق الإحساس بالمسؤولية، والحرص على بلاده، فهل نرى حكّاماَ عرباً يتحلّوْن بالشجاعة والجرأة نفسها؟
هل نرى زعيماً عربيّاً يتصدّى “لوباء” الطائفيّة الذي يمزّق مجتمعاتنا وبلداننا ويفرّخ دولاً فاشلة وميليشيات متطرّفة؟