تحذير: أنت لن تنظر لجوجل بنفس الصورة مرة أخرى بعد الإنتهاء من هذا المقال. إن كنت من عشاق جوجل كما تعرفها، لا تكمل القراءة.
كان هذا السؤال هو الإجابة الوحيدة التي توصلت إليها خلال بحثي عن سبب مقنع للأشياء الغريبة التي صدرت عن جوجل العام الماضي. كنت أعلم أن هناك سبباً ما أعمق بكثير من تلك الأسباب السطحية التي تداولتها وسائل الإعلام المختلفة.
(تحذير: أنت لن تنظر لجوجل بنفس الصورة مرة أخرى بعد الإنتهاء من هذا المقال. إن كنت من عشاق جوجل كما تعرفها، لا تكمل القراءة.)
جوجل..وحل مشكلة الموت!
في 18 سبتمبر الماضي، ظهر إعلان غريب على صفحة “لاري بايج” -أحد مؤسسي جوجل- والذي أعلن فيه عن شركة جديدة تابعة لهم باسم “كاليكو Calico”، ستعمل في مجال التكنولوجية الحيوية، وتحديداً في أبحاث “علاج الشيخوخة” والأمراض المرتبطة بها. وطبعاً لم يتم الكشف عن أي تفاصيل مالية إلى الآن.
في حوار حصري أجرته مجلة التايم الأمريكية مع “لاري بايج” تحت عنوان “جوجل تبحث عن علاج لإيقاف الموت”، قال لاري:
“في بعض الصناعات، فإن العديد من الأفكار تستغرق عقد أو عقدين من الزمان قبل أن تتحقق على أرض الواقع، و “الرعاية الصحية” هي بالتأكيد أحد هذه الأشياء. لذا، علينا أن نبدأ في العمل عليها حتى ننتهي منها بحلول ذلك الوقت.”
نفهم من ذلك أنهم لا ينوون طرح أي منتجات محتملة قبل 10 سنوات على أقل تقدير. ثم السؤال الأهم، ما الذي قد يجعل عملاق الإنترنت يهتم أصلاً بالتكنولوجية الحيوية فجأة؟
جوجل..وسيناريو نهاية العالم!
في 4 ديسمبر الماضي، فاجأتنا جوجل للمرة الثانية بإعلانها عن استحواذها على 7 شركات تعمل في مجال الروبوتات في كل من اليابان والولايات المتحدة، وذلك في صفقات سرية!
تبين بعد ذلك أن هذه الشركات هي “جزء” من المجموعة البحثية الجديدة التي أنشأتها جوجل للعمل على الروبوتات، وذلك بقيادة آندي روبين، رأس الحربة في تطوير نظام تشغيل أندرويد، وذلك بعد أن تركه ليتفرغ لمنصبه الجديد.
على عكس ما قد تعرفة عن سيارة جوجل ذاتية القيادة Google Driverless car، فإن تلك الشركات تعمل على “روبوتات حقيقية”؛ فلقد تنوعت تخصصاتها بين الأذرع الآلية، وإبصار الحاسب و الروبوتات الشبيهة بالبشر Humanoid Robot.
لم نكد نلتقط أنفاسنا بعد، حتى جاءت الصدمة الكبرى: بدون مقدمات، استحوذت جوجل على أكبر شركة إنتاج روبوتات عسكرية في العالم، بوسطن دايناميكس Boston Dynamics، وذلك في الوقت الذي ما زالت فيه عدة عقود سارية بين هذه الشركة ووزارة الدفاع الأمريكية!
في حالة كنت لا تعلم كيف تبدو الروبوتات العسكرية، أنظر لهذه الصورة على اليمين، هذا هو أحد الروبوتات التي تملكها جوجل الآن!
إن كنت ترغب في مشاهدة هذه الأشياء وهي تتحرك، يمكنك مشاهدة هذه الفيديوهات:
أعلم أنها تبدو كما لو كانت خارجة من أحد أفلام الخيال العلمي، إلا انها حقيقية جداً، بل وستسخدم في الجيش الأمريكي عما قريب (إن لم تكن قد بدأت بالفعل!)
ما الذي تريد جوجل فعله؟ أو بمعنى أصح ما الذي يمكنها فعله؟ لدى جوجل مجموعة من أبرع العلماء على وجه الأرض في الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسب، ثم ها هي تضم مجموعة من أبرع مهندسي الروبوتيات كذلك، هل تنوي السيطرة على العالم بجيش من هذه الأشياء؟
من يدير جوجل؟
قرأت العديد من التحليلات والتفسيرات، وكلها كانت غير مقنعة. اتفق الجميع تقريباً على أن كل ما تسعى إليه جوجل هو أن تأخذ الصدارة في مجموعة من الأسواق الجديدة في عدة مجالات واعدة، وبالتالي تضمن عوائد اقتصادية أكبر في المستقبل. الرائع بالأمر أنه لا شيء على أرض الواقع يؤيد مثل هذا الرأي.
صافي دخل جوجل العام الماضي 50 بليون دولار تقريباً. على الرغم من التنوع الهائل في منتجاتها، إلا أن عوائد الإعلانات تمثل 96% من هذا الرقم! هذا يعني أن جوجل لا تعتمد في الربح أساساً على بيع منتجاتها، إذن لماذا؟
إنه ذلك الرجل!
في الحقيقة، بعدما قرأت عنه بما يكفي، أصبحت كل سلوكيات جوجل فجأة طبيعية جداً، بل وأستطيع الآن أن أتنبا بما ستفعله في المستقبل.
في 17 ديسمبر 2012، تسلم إدارة قسم الهندسة في جوجل رجل يطلق عليه الناس “الوريث الشرعي لأديسون”.
العبقري الذي لا يهدأ
هكذا ينادونه أيضاً. إنه رايموند (أو “راي”) كرزويل، 65 عاماً.
شخص كهذا عندما تحاول أن تصفه لا بد أن تستخدم عدد كبير من “واو العطف”. فبالإضافة لكونه مهندساً عبقرياً متخرجاً من MIT، هو مخترع يحمل 24 براءة اختراع، وعالم في الذكاء الاصطناعي، ورائد أعمال يملك شركات تعمل في مجالات مختلفة تبدأ بالمعدات الموسيقية وتنتهي بالصحة العامة والتكنولوجيا الحيوية، وهو مؤلف له سبعة كتب، ثم هو أيضاً عالم مستقبليات (ليس تنجيماً، بل على أساس علمي)؛ قال عنه “بيل جايتس” ذات مرة أنه العالم في التنبؤ بالمستقبل، فقد تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي، ووصف ظهور الانترنت، وأخبر بالسنة التي أصبح فيها الكمبيوتر بطل العالم للشطرنج للمرة الأولى في التاريخ.
كنت أتساءل دوماً: “كيف لرجل مثل هذا أن يعمل لحساب شخص آخر؟ لماذا أصلاً يحتاج إلى ذلك؟” ثم بعدما تعمقت في أفكاره، أدركت السبب. هو ليس من أولئك الناس ممن يكتفون بوصف المستقبل وحسب، بل هو أحد أولئك المجانين ممن يحاولون دفع العالم كله لتحقيق ذلك الوصف كما يرونه (يريدونه؟) هم، لذا فهو في حاجة للتعاون مع من يتفق معه في رؤيته، والتي سنرى كيف تبدو بعد قليل.
قانون العوائد المتسارعة
خلال الثلاثون عاماً الماضية، كان راي مهتماً بمعدل وطريقة تطور تكنولوجيا المعلومات في كل المجالات، ليس فقط بالمعنى الذي قد يتبادر للذهن أنه يقتصر على الانترنت فحسب.
تنبؤات راي المستقبلية ليست تنبؤاً في الحقيقة، هي عبارة عن نتائج حصل عليها من نماذجه الرياضية التي بناها بالاعتماد على هذه البيانات، والتي أظهرت حقيقة هامة جداً: التطور التكنولوجي يأخذ منحى “أسي” وليس “خطي” كما يعتقد غالبية الناس. هذا ما يجعلنا -في رأيه- نفشل في عمل تنبؤات دقيقة عن المستقبل، أو أن ننظر لتنبؤات راي أنها بعيدة جداً على أن تحدث.
المثال المفضل لدى راي عند شرح الفرق بين الإثنين هو التالي: تخيل أنك تعد ثلاثون خطوة للأمام بصورة خطية، ستقول 1..2..3 ثم بعد ثلاثين خطوة سنصل لثلاثين. الآن
قم بعد نفس الثلاثين خطوة، لكن بصورة أسية، سنعد 2..4..8 ثم بعد ثلاثين خطوة سنصل إلى..بليون! فرق شاسع بين الإثنين.
يبرر راي هذه الطبيعة الأسية للتطور التكنولوجي بقوله إننا نستخدم آخر تكنولوجيا توصلنا إليها لنصنع بها التالية، وهكذا، وبالتالي يتسارع معدل النمو التكنولوجي كثيراً بعد خطوات قليلة، فيما يسميه “قانون العوائد المتسارعة”.
يعطينا راي مثالاً على ذلك: أنظر للعالم قبل 500 عام، كان من الممكن أن يمر قرنُ كامل دون أن يحدث أي شيء يذكر، الآن نحن بالكاد نتابع ما يحدث في العالم خلال ستة أشهر!
لكن هل هناك إثبات أكثير عملية من ذلك؟
نقطة التفرد التكنولوجي Technological Singularity
انظر لذلك الهاتف الذكي في جيبك، هذا هو أكبر إثبات أن راي على صواب.
في عام 1965 عندما كان راي طالباً، كان يوجد في MIT كمبيوتر خارق Super computer بحجم طابقين، وبسعر 60 مليون دولار ويخدم آلاف الطلبة. الآن الهاتف الذكي في جيبك هو أرخص مليون مرة، وأصغر مليون مرة، وأقوى الف مرة من هذا الكمبيوتر الخارق، هذا يعادل بليون ضعف تحسن على مستوى الكفاءة – السعر.
يسأل راي: ما الذي سيحدث خلال أربعين عاماً التالية؟ سيستمر التصغير، وسيستمر التطوير، حتى تنتقل هذه الكومبيوترات من جيوبنا، إلى داخل أجسامنا بعدما أصبحت في حجم خلايا الدم الحمراء.
التكنولوجيا تخلق تكنولوجيا أقوى منها، والتي تتطور بدورها بصورة أسرع. تستمر محاولات الإنسان في اللحاق بالتكنولوجيا إلى أن نصل لنقطة في الزمن أسماها راي “نقطة التفرد التكنولوجي”، ووضع لها تاريخاً 2045، عندها سيكون التطور التكنولوجي قد وصل لمستوى جنوني من المستحيل على الإنسان مجاراته، وبالتالي يترك له خيارين: إما الإبقاء على نفسه بحدوده البيولوجية وبالتالي ينقرض، أو أن يندمج في التكنولوجيا التي صنعها ليحسن من قدراته ويصبح أكثر ذكاءً. هو اختار الخيار الثاني، وهذا ما يعمل عليه مع جوجل!
الإنسان، الآلة وحضارة الـ “ما بعد إنسانية”
التالي ليس وصفاً لأحداث أحد أفلام الخيال العلمي، بل هو المستقبل الذي “يؤمن” راي كرزويل أنه قادم، وبذل شطراً كبيراً من عمره يبشر به.
في المستقبل، لن تكون هناك حدود بين الإنسان والآلة، لأننا سنكون كائنات هجينة.
هناك ثلاث ثورات تكنولوجية هي ما تقودنا نحو ذلك المستقبل حالياً، يرمز لها إختصاراً بـ GNR أو Genetics, Nanotechnology and Robotics . إذا عمل الإنسان في هذه المجالات الثلاثة بما يضمن له العبور من “نقطة التفرد التكنولوجي” بأمان، فسيتمكن أخيراً من تحقيق الخلود بعد التخلص من القيود البيولوجية على جسده، وربما يتمكن من إعادة الموتى للحياة كذلك!
الثورة الأولى: Genetics:
المقصود منها التكنولوجيا الحيوية بصفة عامة.
ينظر راي (وكذلك سيرجي برين) للإنسان على أنه مجموعة من الأوامر البرمجية المكتوبة على هيئة كود DNA، وأن الأمراض الوراثية لا تمثل سوى أخطاء في هذا الكود الجيني. إذا استطعنا أن نفهم كيف يتعامل الجسم مع المعلومات الجينية بالتفصيل، حينها يمكننا أن “نعيد كتابة” الجزء الذي يسبب أمراض معينة، ويمكننا أيضاً أن نوقف الشيخوخة والتقدم في السن. (هل تجد أي شيءٍ مألوف هنا؟)
في الحقيقة، بدأ راي في تطبيق هذا الأمر على نفسه منذ مدة؛ حيث يتناول كل يوم 200 قرص من الأدوية المختلفة التي تنتجها أحد شركاته بغرض “إعادة كتابة” الكيمياء الحيوية الخاصة بجسمه، وعكس الشيخوخة، وذلك بإمداد جسمه بالمواد التي تحتاجها خلاياه لإعادة بناء نفسها.
الثورة الثانية: النانوتكنولوجي:
كما ذكرنا فإن التصغير سيستمر، حتى نصل لمرحلة الروبوتات الصغيرة التي ستتجول في أجسامنا.
يمكن لهذه الروبوتات أن تذهب لأماكن معينة في الجسم وتعالجنا من الداخل، أو أن تصل لخلايانا العصبية في المخ وتتحد معها، وبالتالي تحسن ذكاءنا الفطري المحدود، وتجعل عملية التعلم لا تختلف كثيراً عن تحميل برنامج من على الإنترنت.
(لن أتعجب إن سمعت أن جوجل قد استحوذت على عدة شركات للنانوتكنولوجي في السنوات القليلة القادمة).
الثورة الثالثة: الروبوتيات والذكاء الاصطناعي:
وهي الأكثر تأثيراً على الاطلاق. الذكاء الاصطناعي موجود بالفعل حولنا في كل مكان: المصارف، البريد الالكتروني، شبكات التواصل الاجتماعي، ..الخ، لكنه ما زال محدوداً.
على عكس ذكائنا البيولوجي الثابت، فإن الذكاء الاصطناعي ليس محدوداً بقيود. يقول راي أنه بحلول عام 2029 سنصل لأول ذكاء اصطناعي يتفوق على الذكاء البشري، ثم في “نقطة التفرد التكنولوجي” -في العام 2045-سيتخطى الذكاء الاصطناعي ذكاء كل البشر على كوكب الأرض. في هذه المرحلة لن نكون بحاجة للإعتماد على أجسامنا البيولوجية، حيث يمكن لهذا الذكاء الاصطناعي أن يأخذ “نسخ احتياطيه” من عقولنا وينقلها لأي مكان أو أي شيء آخر (روبوتات مثلاً)، وبهذا سنصل لمرحلة الخلود.
أيضاً، لا شيء يمنع من أن نستخدم هذا الذكاء الإصطناعي في خلق نسخة افتراضية مطابقة تماماً لشخص حقيقي، وذلك بالاعتماد على المعلومات التي نعرفها عنه. هذه هي الطريقة التي ينوي بها راي إعادة والده للحياة! حيث احتفظ خلال السنوات الماضية بكل متعلقات والده التي وجدها.
يقول راي أيضاً أنه في البداية، لم يكن يرى أي “استخدامات عملية” للمقابر سوى جلب الحزن، لكن بعد أن نصل لنقطة التفرد التكنولوجي، ستكون هذه المقابر ذات أهمية كبرى؛ لأنه عن طريقها يمكننا الحصول على المعلومات الوراثية المطلوبة عن الشخص الذي نود إعادته للحياة! (هل إهتمام جوجل بالروبوتيات والذكاء الاصطناعي يبدو مبرراً الآن؟)
أحدث التعليقات